إشتياق الكناني تكتب : ويرحل عم مبروك…

إشتياق الكناني تكتب : ويرحل عم مبروك…
يرحل عم محمد احمد مبروك بهدوء يشبه حضوره، وبسكينة تذكّرنا دائمًا بنصائحه الرصينة وإرشاداته الحكيمة وتوجيهاته التي كانت تنير لنا الطريق. برحيله، تفقد *العهد أونلاين* الأب الشرعي الذي صاغ حروفها، ووقف سندًا لها مصححًا ومدققًا وموجهًا أمينًا. برحيله نفتقد الكاتب الصادق، والمربي الذي جمع بين الوفاء للقلم والإخلاص للكلمة.
رحلت يا عم مبروك فجرًا، كما ينسلّ الضوء ليمحو عتمة الليل. لكن عتمتنا لا تزال طويلة؛ عتمة الحرب والدماء، عتمة الوباء والمرض، وعتمة الجهل الأكبر الذي يثقل حياتنا ويتركها خاوية بلا زاد ولا معلم ولا رفيق.
لقد كان عم مبروك مدرسةً قائمة بذاتها، تتلمذ على يديه أجيال من الصحفيين والكتّاب، وتعلموا منه أن الكلمة الصادقة لا تُشترى ولا تُباع. بنى مسيرته على الإخلاص للوطن، والإيمان باللغة العربية، والوفاء للصحافة التي ظل يخدمها لنصف قرن بعزيمة لا تلين وقلم لا ينكسر.
اليوم، تفقد الصحافة السودانية واحدًا من أعمدتها الصادقة. فقدت قلمًا ظلّ رفيقًا للكلمة، يذود عنها ويهذبها، ويغرس في القلوب معنى المسؤولية تجاه الوطن واللغة والناس.
نودّعك يا عم مبروك، ونودّع معك أبًا لهذه الصحيفة وموجّهًا لطريقها، لكننا نعاهدك أن نبقى أوفياء للكلمة الصادقة، للغة العربية، وللوطن النازف. نعاهدك ألا نخون القلم ولا نبدّد الرسالة.
أيها السادة، لقد انكسر قلم، لكنه لن يجف؛ فحروفه ستبقى حيّة، ووصاياه ستظل راسخة فينا، نحملها كما يحمل البطل شعلة الأولمبياد، لا تنطفئ ولا تخبو.
هذا عهدنا لك يا عم مبروك: أن يبقى قلمك حاضرًا، وكلماتك منقوشة في الذاكرة، وإخلاصك نبراسًا لطريقنا، وسيرتك إرثًا يضيء مستقبل الصحافة السودانية.





