إشتياق الكناني تكتب : مدينتي تموت ببطء… صرخة من أم درمان

إشتياق الكناني تكتب : مدينتي تموت ببطء… صرخة من أم درمان
في قلب أم درمان، تلك المدينة العريقة التي لطالما كانت عنوانًا للثبات والكرامة، يعيش المواطن اليوم تفاصيل مأساة يومية، لا تنقلها الكاميرات ولا تلامسها
عناوين الأخبار العاجلة. وسط لعلعة المدافع ودويّ القذائف، تشق الحياة طريقها بصعوبة بالغة، ويصمد الناس كما لو أنهم جُبلوا على الاحتمال.
لم يعد صوت الانفجارات مفاجئًا، بل صار جزءًا من “روتين اليوم”. الموت هنا لا يطرق الأبواب، بل يدخلها فجأة دون استئذان. المنازل التي كانت تجمع الأحبة أصبحت أكوامًا من الطوب والتراب. الأطفال ينامون على وقع الرعب، والنساء يتحسسن أولادهن في كل لحظة خوفًا من قذيفة طائشة أو رصاصة عمياء.
وسط هذا الجحيم، لا ماء ولا كهرباء، لا دواء ولا رغيف. المواطن الأمدرماني يخرج في الصباح لا ليعمل، بل ليبحث عن جرعة حياة. يتنقل بين صفوف الخبز التي لا تنتهي .
تعيش المدينة أيامًا من الظلام الدامس، وانقطاعًا كاملًا للمياه، مما اضطر بعض سكانها إلى الشرب من مياه النيل، رغم ما فيها من مخاطر وأمراض. تبدو أم درمان وكأنها تقاتل وحدها، لا سند لها سوى أهلها، ومواطنها الذي يركض من ساعات الصباح الأولى بحثًا عن شربة ماء، ثم حفنة خبز، ثم يطوف حول مراكز الشحن ليملأ هاتفه القليل من الكهرباء علّه يطمئن على من تبقى من أحبابه.
الحرب لم تأتِ إلا بشرورها، وشرّها الأكبر أن ضحاياها الأبرياء لا سلطة لهم ولا حيلة، هم فقط من يدفع الثمن كل يوم، بصبر نادر ووجع عميق.
فمتى ينتهي ظلام أم درمان؟
ومتى تضحك سماء المدينة لتضيء هذا السواد، وتعلن عن فجر جديد من الأمل؟
فجر يُعيد لأم درمان ضحكتها، ولأهلها الحياة التي يستحقونها.