إبراهيم شقلاوي يكتب: ..وجه الحقيقة..المطار الجديد يضعنا في الطريق

إبراهيم شقلاوي يكتب: ..وجه الحقيقة..المطار الجديد يضعنا في الطريق
تُعد المطارات إحدى الركائز الأساسية في منظومة البنية التحتية للدول الحديثة، بوصفها نقاط عبور للمسافرين، كما أنها تعكس سيادة البلاد ومستوي التطور الذي يعيشه أهله ، بجانب أنها مراكز اقتصادية متقدمة، ومحركات مباشرة لعجلة التنمية الوطنية. في بلادنا لا بد أن تُطرح قضية المطارات بانتباه في ظل الظروف الاستثنائية التي نمر بها بالنظر إلى آثار الحرب التي خلفتها على البنية التحتية.
إن واقع المطارات السودانية اليوم يعكس جزء جوهرياً من أزمة الدولة، إذ تشهد هذه المرافق تدهوراً مريعاً على مستوى الخدمات، والتجهيزات والإدارة، ما يفقدها أي قدرة تنافسية إقليمية أو حتى قدرة وظيفية على تسيير المهام الأساسية. وفي المقابل، تقدم التجارب الإقليمية لدول كانت تعاني من أزمات مشابهة نماذج ناجحة في تحويل قطاع الطيران والمطارات إلى روافع اقتصادية واستثمارية فاعلة، كما هو الحال في رواندا وإثيوبيا وكينيا.
في هذا المقال الذي اعتمد فيه على تجربة ميدانية حية، نحاول أن نتناول باختصار واقع المطارات السودانية في ظل الحرب، حتي نفتح النقاش حول ضرورة إدماج هذه المنشآت في خطط الإعمار الوطني، باعتبارها منطلقاً استراتيجياً نحو استعادة الأمن الاستقرار وتفعيل الاقتصاد وتعزيز فرص السلام.
خلال الأسبوع الماضي، وبدعوة من المنتدى الإقليمي الثالث لأصحاب المصلحة المبتكرين في حوض النيل الشرقي (ENTRO)، شاركت ضمن وفد من وزارة الري والموارد المائية، ضم نخبة من الخبراء والإعلاميين. بدأت
الرحلة من مطار بورتسودان، الذي ما زال متأثراً بآثار الهجمات التي تعرض لها من مليشيا الدعم السريع وداعميها المحليين والإقليميين. ورغم مرور شهر أو يزيد على هذه الاعتداءات، بدا المطار في حالة يرثى لها: انعدام المياه، والخدمات الأساسية ، وتعطل أجهزة التكييف في ظل حرارة خانقة، ما جعل صالة المغادرة مكاناً للمعاناة أكثر منه نقطة انطلاق.
وفي المقابل، كانت التجربة مختلفة تماماً في مطاري أديس أبابا ونيروبي. مطارات حديثة، أنظمة تشغيل احترافية، خدمات متكاملة للمسافرين القادمين والعابرين، ومرافق مصممة وفق أحدث المعايير العالمية. إجراءات امنية عالية هذه المشاهد لا تثير فقط الإعجاب، بل تدفع للتساؤل: لماذا فشلت الخرطوم، بكل تاريخها وثرواتها، في بناء مطار يليق بمكانة السودان؟ ولماذا لايزال مشروع مطار الخرطوم الدولي الجديد حبيس الادراج ،رغم مرور سنوات على الإعلان عنه.
في هذا السياق التقى رئيس مجلس الوزراء الدكتور كامل إدريس أمس الأول مدير شركة مطارات السودان المهندس سر الختم بابكر، حيث تم استعراض احتياجات المطارات وخطط تأهيلها. ورغم التصريحات الإيجابية حول “نهضة قادمة”، إلا أن الأداء الفعلي لشركة مطارات السودان يثير كثيراً من الشكوك و التساؤلات، فقد عجزت عن معالجة حتى أبسط أوجه القصور في المرافق القائمة، مثل سوء النظافة، تهالك العربات الناقلة للعفش، وتعطل التكييف في صالات المطارات .
ومن اللافت أن دولاً مثل رواندا، التي خرجت من أتون الإبادة الجماعية في التسعينيات، استطاعت بناء مطار “بوغسيرا الدولي” بمواصفات عالمية عبر شراكات استثمارية منتجة. أما إثيوبيا فرغم النزاعات والصراعات الداخلية، طورت مطار “بوليه الدولي” ليكون مركز عبور إقليمي ، بينما نجحت كينيا في تحديث مطار “عنتيبي جومو كينياتا” ليصبح منصة جوية مؤثرة في المنطقة.
تثبت هذه التجارب أن النهوض من تحت ركام الحرب ليس حلماً مستحيلاً، بل نتيجة مباشرة لإرادة سياسية واضحة، وتخطيط استراتيجي محكم، وآليات تنفيذ تضمن الشفافية والكفاءة. والسودان ليس استثناء، إذ يمتلك الموارد البشرية والخبرات الفنية الكفيلة بتحقيق ذلك، إن وُجدت الرؤية وتوفرت القيادة الواعية المجتهدة .
إن الحديث عن مستقبل اقتصادي متماسك يقتضي بالضرورة وجود بوابات جوية حديثة. فالمطار ليس واجهة الدولة فقط، بل أداة رئيسية في تحفيز النمو، وجذب الاستثمار، وتسهيل التبادل التجاري. والمطلوب اليوم ليس مجرد صيانة مطار بائس، بل إطلاق مشروع وطني متكامل لبناء مطارات بمواصفات دولية، بدءاً بمطار الخرطوم الجديد، باستخدام صيغ تمويل مبتكرة مثل الشراكة بين القطاعين العام والخاص (BOOT)، دون الاعتماد الكلي على ميزانية الدولة.
هذا وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة فإن السودان، في مرحلة ما بعد الحرب، لا يملك ترف التأجيل أو التراخي في الانتقال نحو فضاءات النهضة لذلك علينا إعادة إعمار البلاد عبر خطة استراتيجية تبدأ من البوابة الأولى: من أرض المطار ليضعنا علي الطريق الصحيح . والرهان الحقيقي هو على من يملك الشجاعة السياسية والادارية لتدشين هذه البداية.
دمتم بخير وعافية.
الأثنين 23 يونيو 2025 م Shglawi55@gmail.com