مقالات

إبراهيم شقلاوي يكتب: ..وجه الحقيقة..الجيش حَكَم.. لا عزاء للسابلة والمخذلين

إبراهيم شقلاوي يكتب: ..وجه الحقيقة..الجيش حَكَم.. لا عزاء للسابلة والمخذلين

 

دعوة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش، بالأمس للعودة إلى علم الاستقلال تأتي في لحظة مهمة تعكس تلاقي الأزمات السياسية والأمنية والاجتماعية في بلادنا .

هذه الخطوة تُعد مؤشرًا على اتجاهات إعادة ضبط المشهد الوطني، واستدعاء لحظة التأسيس الأولى للدولة كمرجعية راسخة لإعادة بناء سودان جديد، في ظل هشاشة الأحزاب السياسية واستمرار خطاب الانقسامات والكراهية الذي أضعف قدرة القوى المدنية على إدارة المرحلة الانتقالية، التي اعقبت سقوط حكم البشير 2019 .

علم الاستقلال بألوانه الثلاث: الأزرق والأصفر والأخضر، الذي رُفع في العام 1956، يتحول بحسب حديث البرهان إلى أداة لإعادة توحيد الهوية الوطنية، وتجسيد قدرة الجيش على ملء الفراغ السياسي وإعادة ترتيب الدولة. في توقيت يراه كثير من المراقبين مناسب و استراتيجي إذ أن للإعلان ارتباط مباشر بالحدث الذي سبقه والظروف المتعلقة بالانتقال التي تعيشها البلاد : تأبين شهداء حركة جيش تحرير السودان، والمعركة الجارية ضد مليشيا الدعم السريع، “معركة الكرامة”، وشعور السودانين أنهم يقاتلون وحدهم. في هذه المواجهة الوجودية، التي و صفها فولكر تورك، المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، “أنها حرب بالوكالة تُخاض للسيطرة على الموارد الطبيعية للسودان” .

في هذا السياق المهم ، يتحول حديث البرهان إلى رسالة في عدة اتجاهات، داخليًا: تعزيز وحدة الدولة وإعادة تأكيد دور الجيش كمؤسسة قادرة على قيادة المرحلة الانتقالية وحماية السيادة الوطنية .

خارجيًا: للقوى الإقليمية والدولية بأن الجيش هو الضامن الوحيد لوحدة السودان واستقلاله، وأن أي تهديد للمؤسسات الوطنية سيُواجَه بحسم.

هذه الدعوة تحمل رؤية واضحة لطبيعة الدولة التي يسعى الجيش لتأسيسها: دولة مركزية قوية، مؤسساتها متماسكة، قادرة على فرض الأمن وإعادة ضبط العلاقة بين السلطة والمواطن، بعيدًا عن المحاصصات الحزبية والانقسامات التاريخية. الجيش في هذا السياق، ضامن للأمن والاستقرار، وفاعل رئيس في إعادة بناء الدولة من الأساس، وتحويل رمزية العلم التاريخية إلى مشروع عملي لإعادة بناء مؤسسات الحكم. لذلك من المهم الانتباه لهذه اللحظة التاريخية والشروع الفوري في استكمال هياكل السلطة الانتقالية بقيام المجلس التشريعي، لأنه أحد أدوات حماية هذا التأسيس.

كما أن دعوة البرهان تتضمن إعادة ضبط معنى الشرعية الوطنية. فالخطوة ربما ينظر لها البعض أنها حنين إلى الماضي، لكنها محاولة لإعادة إنتاج الدولة الوطنية الجامعة التي توحد الشعب بعيدًا عن الانقسامات الحزبية الصراعات الداخلية و الابتزاز الإقليمي والدولي.

الرسالة باتت واضحة: المرحلة المقبلة لن تُبنى على التسويات الهشة وتقاسم الغنائم على حساب السودانيين، بل على مشروع وطني متجذر قادر على ضبط الأمن، وإعادة هيكلة الدولة، وصياغة هويتها الوطنية .

لذلك العودة إلى علم الاستقلال بمثابة استدعاء لمنصة التأسيس الأولى، التي يمكن أن تصبح قاعدة لإعادة صياغة الدستور، والمؤسسات، والهياكل الإدارية، بما يعيد السودان إلى موقعه الطبيعي كدولة موحدة ذات سيادة .

على المستوى الإقليمي، تُقرأ هذه الخطوة كإشارة قوية للدول التي تتابع تطورات المشهد السوداني: الجيش مستعد لإعادة الدولة إلى مركزها الطبيعي وهويتها الوطنية القديمة، وضبط الوضع الداخلي، وحماية السيادة في مواجهة التدخلات الخارجية.

بعض الدول الداعمة لاستقرار السودان ستراها تأكيدًا على قدرة الجيش على قيادة المرحلة الانتقالية، بينما ستتعامل قوى أخرى معها بحذر، باعتبارها جزءًا من معركة الشرعية وإعادة ترتيب النفوذ الداخلي والخارجي.

أما المجتمع الدولي، فسيراقب الخطوة بوصفها مؤشرًا على توجه القيادة الحالية نحو توحيد خطاب الدولة واستعادة رموزها التأسيسية، لكنه سيظل حذرًا إلى أن تظهر مؤشرات ملموسة على الانتقال و إعادة بناء مؤسسات الدولة واستقرارها.

نجاح دعوة الرئيس البرهان، إذن، لا يرتبط بالعلم في ذاته، بل بمدى قدرة هذه الرمزية على التحوّل إلى مشروع وطني متكامل يعيد السودان إلى منصة تأسيسه، ويعيد صياغة قواعد اللعبة السياسية داخليًا وخارجيًا.

غير أن قوة العلم كرمز لوحدة الشعب بالتأكيد ليست مطلقة. فتجربة السودان، كما تجارب الشعوب الأخرى، تُظهر أن العلم يكتسب معناه السياسي والأخلاقي عندما يتصل بالواقع: بقدرة الدولة على حماية المواطنين، وبمصداقية مؤسساتها، وبوجود سردية وطنية مشتركة تتجاوز الانقسامات الإثنية والمناطقة. علم الاستقلال استدعاء للذاكرة المشتركة وللحظات التأسيس الأولى التي اجتمع فيها السودانيين على طرد المستعمر وقيادة شعبهم، بعيدا عن الطامعين والمخذلين.

بحسب #وجه_الحقيقة، فإن إعلان البرهان العودة إلى علم الاستقلال، هي جزء من مشروع استراتيجي لقراءة الأزمة السودانية بعمق، واستثمار الرمزية التاريخية كأداة لتوحيد الدولة، وإعادة بناء مؤسساتها، وحماية سيادتها ومواردها، في مواجهة التحديات الداخلية والأطماع الخارجية وذلك ما يفرض علي الجيش قيادة مرحلة جديدة برؤية واضحة لمسار السودان نحو دولة مستقلة وموحدة. فالعلم وحده لا يصنع الوحدة، لكنه يصبح أداة فاعلة حين يتصل بالفعل السياسي والاجتماعي العادل .

 

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى