إبراهيم شقلاوى يكتب : تنسيقية “تقدم” : من الرابح في صراع الوعي والمصالح والنفوذ ؟!
إبراهيم شقلاوى يكتب : تنسيقية “تقدم” : من الرابح في صراع الوعي والمصالح والنفوذ ؟!
الخرطوم | العهد اونلاين
في هذا التحليل نحاول أن نكشف عن الاستراتيجيات والسيناريوهات التي ظلت تتبعها “تقدم” في صراع الوعي والمصالح والنفوذ منذ اشعال الحرب في السودان في منتصف أبريل 2023، بواسطة مليشيا الدعم السريع ، حيث ظلت أصابع الاتهام تشير إلى أحزاب قوى الحرية والتغير “قحت” بأنها ضالعة في إشعالها خصوصًا بعض
قياداتها ظلت تهدد بها في حال انسداد الأفق السياسي وقد قالت مريم الصادق المهدي في تصريح لاحدي القنوات بأنهم سوف يطورون خياراتهم في حال تم عرقلة إجازة الإتفاق الإطاري او إمضاء دستور المحامين الذي كانت تخطط بعض الدول علي فرضه على السودانيين ، انتقلت
قحت عقب الحرب إلى الإسم الجديد ، تنسيقية القوى المدنية “تقدم” حيث اعتبر المراقبين هذا الانتقال كأنما محاولة للتنصل من المرحلة برمتها التي شهدت اخفاقا كبيرا وفشلا غير مسبوق في إدارة العملية السياسية والحكومة ، مع ذلك ظلت “تقدم ” أحد اللاعبين الرئيسيين في المشهد السياسي السوداني .
بعد مضي 20 شهرا من الحرب ظلت” تقدم” تواجه تحديات كبيرة في تحديد مسارها ، مما يثير العديد من التساؤلات حول قدرتها على البقاء كفاعل مؤثر في السياسة السودانية بالنظر إلى خذلانها لجماهير الثورة و انحيازها الواضح لمليشيا الدعم السريع دون الوفاء لشعاراتها إبان ثورة السودانية في العام 2019 التي اسقطت نظام حكم البشير حيث نادت بحل هذه المليشيا ”
الجنجويد ينحل ” هذا بجانب التحولات في الوضع الداخلي الذي شهد صعود الإسلاميين من جديد ، فضلاً عن ارتهانها للتدخلات الإقليمية والدولية ، كل ذلك يزيد من تعقيد المواقف السياسية لهذه التنسيقية . مما جعلها تحاول المقاربة ما بين ضرورة الحفاظ على كيانها الثوري ،
و الاستمرار في التوافق مع المليشيا التي وقعت معها إعلان المبادي في أديس أبابا في فبراير من هذا العام. بالنظر إلى أن هذه القوات اصبحت في نظر السودانيين والفاعلين الدوليين خارج المشهد السياسي والعسكري بعد الإنتهاكات الفظيعة التي ارتكبتها.
ظلت التنسيقية تحاول رسم صورة ذهنية لدى السودانيين بأنها تعمل على الانتقال السلمي نحو الديمقراطية . ولكن على مر السنين بدأت تواجه ضغوطًا متزايدة في جانب الوفاء المبدئي و الأخلاقي لشعاراتها بجانب محاولاتها للوصول للسلطة دون تفويض انتخابي . لذلك كان تحالفها مع المليشيا أحد الأسباب التي خصمت من رصيدها الكثير ومكنت خصومها من اثبات انتهازيتها السياسية .
هذه المفارقات في المواقف خلقت حالة من الالتباس داخل التنسيقية نفسها وفي أوساط الجمهور ، حيث أن “تقدم” تبدو في بعض الأحيان مترددة بين التأكيد على موقفها الثوري من جهة وبين قبول واقع تحالفها العسكري مع المليشيا الذي يفرض نفسه على أرض الواقع من جهة أخرى . هذا الوضع المعقد دفع العديد من المتابعين للقول
إنها قد تكون ضحية لتوازنات سياسية داخلية تفرض عليها اتخاذ مواقف غير واضحة. بجانب وقوعها تحت ضغط غير مسبوق من أطراف إقليمية ودولية تسعى لإعادة تشكيل الخارطة السياسية السودانية بما يخدم مصالحها الاستراتيجية في البلاد .
من جهة أخرى فإن هذا التدخل الدولي يثير تساؤلات حول قدرة التنسيقية على الحفاظ على مبادئها في ظل الضغوط الإقليمية خاصة فيما يتعلق بمسألة الديمقراطية والحفاظ على سيادة السودان . في الوقت الذي تصاعدت فيه الدعوات من داخلها إلى التعامل مع الأزمات الإنسانية
ومعالجة الموقف من الحرب ، بالأمس صدر البيان الختامي ل “تقدم” عقب اجتماعاتها في مدينة عنتبي اليوغندية وهو بيان بحسب مراقبين يعكس الكثير من التباينات والتناقضات التي تمثل الوضع السياسي المعقد داخلها .
البيان لم يقتصر على تحليل الوضع الأمني والإنساني في السودان بل تطرق إلى المواقف السياسية والخيارات المحتملة للمستقبل . في الوقت الذي تحدث فيه البيان عن آثار الحرب المدمرة في السودان لم يحدد المسؤولين المباشرين عن إشعال هذه الحرب ، مما يعكس ترددًا في
تحميل أي طرف مسؤولية ما يحدث هذا بالنظر إلى الادانات الدولية لمليشا الدعم السريع جراء الانتهاكات الوحشية التي ظلت تقوم بها في شرق الجزيرة ودارفور وولاية الخرطوم . هذا الصمت حول المسؤولية قد يفتح المجال لتفسير أن “تقدم” تحاول الحفاظ على مواقفها الداعمة للمليشيا أو تحاول إرضاء الأطراف التي تقوم
بتمويل انشطتها كذلك جاء في البيان تلميح إلى أن هناك أطرافًا خارجية تُطيل أمد الحرب ، دون أن يتم تحديد هذه الأطراف بشكل مباشر . هذا الغموض يمكن تفسيره على أنه محاولة من “تقدم” للموازنة بين الحفاظ على علاقاتها مع القوى الدولية والإقليمية، وتجنب اتهام المليشيا بتصعيد الأوضاع .
كذلك أكد البيان على الحاجة إلى حل سياسي سلمي ، ولكن هذا بحسب مراقبين يفتح المجال لفكرة قبول دور للمليشيات في الحياة السياسية والأمنية . وهو ما يرفضه السودانيين. كذلك أشار البيان إلى أهمية العدالة الدولية كآلية لمعالجة الوضع في السودان ، وهو ما يمكن تفسيره
على أنه دعوة لتدخلات خارجية في الشأن السوداني ظلت تؤكد عليها تقدم بل سعت إلى تنسيقها مع بريطانيا في مجلس الأمن حيث تم اسقاطها “الفيتو الروسي ” كما أن التدخل الأجنبي ظل مرفوض من الشعب والحكومة السودانية باعتباره يصادم سيادة البلاد .
على الرغم من تأكيد البيان على حماية المدنيين ، إلا أنه لم يشر بشكل مباشر إلى الاتفاقات السابقة مع المليشيا ، لا سيما الوثيقة التي تم توقيعها في أديس أبابا في فبراير الماضي . أيضا البيان تضمن واحدة من أكثر النقاط المثيرة للجدل وهي الدعوة إلى حظر السلاح ، وهي تعني المساواة بين الجيش السوداني و المليشيا . هذه النقطة تفهم أنها محاولة لتحييد الجيش الوطني لصالح المليشيا . بموجب كل ماتقدم دعونا نمضي في قراءة السيناريوهات
المستقبلية: للإجابة علي سؤال “من هو الرابح في صراع “تقدم” بين الوعي السياسي والنفوذ والمصالح؟” بالنظر الي استمرار التوترات السياسية والتقدم النشط للعمليات العسكرية التي يحرز الجيش فيها انتصارات ظاهرة للعيان، عليه قد تتخذ “تقدم” أحد السيناريوهات التالية:
الأول: محاولة التخلي عن مناصرة المليشيا ومغازلة قيادة الجيش السوداني من جديد، وربما تقدم في ذلك عربونا يقوم على الانسحاب من وثيقة اعلان المبادئ التي وقعتها مع المليشيا . في هذا السيناريو قد تضطر “تقدم” إلى إضفاء الطابع الرسمي على سعيها هذا بإدخال وسطا اقليمين من أجل ضمان وجودها في العملية السياسية ، هذا خيارًا صعبًا، لكنه في نفس الوقت قد يساعدها في الحفاظ على نفوذها مستقبلا الثاني: العودة إلى المربع الثوري ومحاولة توسيع تحالفها السياسي باستمالة آخرين
هذا السيناريو أيضا يوجب عليها فض شراكتها مع المليشيا حتي تستطيع تقوية موقفها في مواجهة القوى العسكرية وداعميها من الأحزاب الوطنية علي رأسهم الإسلاميين الذين لن تكون منازلتهم سهلة وهم يتكؤون علي انتصار عسكري حاذوه من خلال قدرتهم التنظيمية علي حشد الشباب السوداني الاصطفاف مع الجيش في معركة الكرامة .
هذا الخيار سيزيد من تعقيد الوضع السياسي ويعرض التنسيقية لضغوط شديدة من الأطراف الدولية التي تسعى إلى فرض حلول سياسية وفقًا لمصالحها . الثالث: التفكك الداخلي إذا استمر الصراع الداخلي في “تقدم” بسبب تباين المواقف بين الأعضاء بالنظر الي مايقوده حزب الأمة من آراء أكثر اعتدلا داخل التنسيقية قد تودي إلى إبعاده ، فقد يتسبب ذلك في تفكك التنسيقية بشكل يؤدي إلى تراجع تأثيرها السياسي. وفي هذه الحالة ، ذلك قد يعزز من هيمنة القوى الوطنية الداعمة للجيش على المشهد السياسي .
عليه وبحسب ما نراه من وجه الحقيقة وفي ظل هذه السيناريوهات المتشابكة ، يبقى السؤال المركزي: من هو الرابح في صراع “تقدم” بين الوعي السياسي والنفوذ والمصالح؟ الإجابة على هذا السؤال تعتمد على كيفية تعامل التنسيقية مع الانقسامات الداخلية المحتملة ومع الضغوط الإقليمية والدولية التي تمارس عليها والتي قد لأتساعد علي تحديد شكل المستقبل السياسي للسودان الذي يشكله الشعب السوداني من خلال انحيازه الغير مسبوق إلى الجيش جاعلا الأولوية للأمن بدلا عن الديمقراطية .
دمتم بخير.