أول طائرة عربية تُحلق فوق وزارة الدفاع الإسرائيلية.. ماذا تعرف عن طائرات القسّام المُسيَّرة؟
أول طائرة عربية تُحلق فوق وزارة الدفاع الإسرائيلية.. ماذا تعرف عن طائرات القسّام المُسيَّرة؟
العهد اونلاين / مواقع الكترونية
هناك في غزة، وبينما كانت السماء مُلبَّدة بطائرات الاحتلال الإسرائيلي التي تُلقي بحُممها على أهالي القطاع المحاصر، كان ثمّة جسم صغير يسير بخفّة فوق سماوات الأراضي المحتلة، وسط فضاء مشبع بالرادارات ومنظومات الاعتراض المتطورة.
لم يكن هذا الهيكل، ضئيل الحجم حينما تراه من بعيد، والخطير إستراتيجيا في معادلات التسلُّح وموازين الصراع، سوى “طائرة أبابيل 1” المُسيَّرة التي أطلقتها كتائب القسام في حرب “العصف المأكول” عام 2014، وحلَّقت فوق وزارة الحرب “الكرياة” في تل أبيب لتلتقط صورا عدّة نُشِر اليسير منها، مع تحفُّظ الكتائب على الجزء الأكبر، نظرا لـ “حيوية الصور”، على حد تعبير القسام.
الأمر الأكثر غرابة أن بعضا من المقاطع التي كشفت عنها الكتائب وبُثَّت على شاشة الجزيرة كانت تُظهِر طائرات مُسيَّرة هجومية تحمل على ظهرها صواريخ قتالية صغيرة قادرة على إصابة أهداف محددة عن بُعد. دفعت هذه الحادثة إذاعة الجيش الإسرائيلي إلى القول إن “حماس صارت تمتلك القدرة على تصنيع هذه الطائرات قبل أن يمتلكها أيٌّ من الدول العربية”.
نعم، لم تكتسب طائرات القسام القتالية سُمعة كما فعلت الصواريخ، لكن ما حدث قبل أيام من إعلان كتائب القسام إدخالها طائرات مُسيَّرة مفخخة جديدة من طراز “شهاب” محلية الصنع، هاجمت منصّة للبتروكيماويات قبالة ساحل غزة، كما استهدفت بها تجمُّعا للجنود في موقع كيسوفيم العسكري، يفتح أمامنا ملف الطائرات المُسيَّرة، وحجم حضورها الراهن في ترسانة المقاومة.
بعدها بأيام قليلة أيضا، كشفت كتائب القسام عن جيل جديد من الطائرات المُسيَّرة خلال عملية “سيف القدس”، وقالت الكتائب في بيانها إن طائرة “الزواري” محلية الصنع نفَّذت طلعات رصد واستطلاع لأهداف ومواقع الاحتلال الإسرائيلي.
مع إدراك المقاومة الفلسطينية للفجوات الهائلة في موازين القوة العسكرية، فقد بذلت جهودا مبكِّرة نسبيا لتدشين برنامج محلي لصناعة الطائرات بدون طيار. وتعود المحاولة الأولى لتصنيع هذا النوع من الطائرات إلى عام 2003، من قِبَل المهندس نضال فرحات، وهو ذاته الذي عمل بشكل رئيس على صناعة الصاروخ الأول للقسام، لكن هذه المحاولة لم يُكتب لها النجاح إثر عملية اغتيال مدبَّرة طالته ومجموعة من القادة العسكريين عبر تفخيخ الطائرة المُسيَّرة التي هرَّبها نضال ومَن معه سعيا لمحاكاتها وتطويرها.
لكنَّ رجلا حنطيَّ البشرة، من شمال أفريقيا، عائدا من رحلةِ سجن وإبعاد عاشها في ظل نظام الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، حمل معه بداية التطوير الحقيقي لمشروع الطائرات المُسيَّرة. إنه محمد الزواري، الأستاذ الجامعيّ بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس. في عام 2006، التحق الزواري بكتائب القسّام، حينما انتقل للعيش في سوريا، ليقود حينها فريقا من مهندسي القسام في زيارة استكشافية لإيران، حيث التقى بفريق خبراء مختص بالطائرات بدون طيار، وفي حينها، وبحسب كتائب القسام، أظهر الزواري قدرات متقدِّمة وصلت حد القدرة على التصنيع والإطلاق. وحينما اندلعت حرب “الفرقان” عام 2008، كان الزواري قد أشرف على تصنيع 30 طائرة بدون طيار، لتكون هذه المجموعة هي الثمرة المبكِّرة لمساعي القسام لتطوير المُسيَّرات.
في عام 2008، وفي وقت مبكِّر جدا من بداية مشروع المُسيَّرات المقاوم، قالت مصادر أمنية إسرائيلية في حينه إن هناك تخوُّفا لدى جيش الاحتلال من احتمال قيام حركة حماس، لا سيما جناحها العسكري كتائب القسام، بالحصول على طائرات صغيرة بلا طيار، في إطار ما وصفته بتنامي القدرات التصنيعية للحركة. وذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية “أن الصناعة العسكرية المزدهرة لحماس في قطاع غزة قفزت عدة درجات”، مُشيرة إلى وجود تخوُّف لدى أجهزة الأمن الصهيونية من أن تحاول حماس تطوير طائرات بدون طيار بنفسها.
وكما هو واضح، كان ثمّة إدراك مبكِّر لدى إسرائيل لخطورة هذا المشروع الوليد. لكن تلك الحقبة لم يرشح عنها الكثير ولا حتى القليل من التفاصيل المُعلَنة حول طبيعة المشروع العسكري للكتائب ولا منتجاته، إلا أن ما علمناه لاحقا أن كتائب القسام أنشأت وحدة باسم “الوحدة الخاصة للطائرات بدون طيار”، وكان الزواري أحد قادتها. وبعد نجاح المشروع الذي تم العمل عليه في سوريا، وبينما كان هناك فريق آخر في غزة يعمل على مشروع مشابه باسم “بُراق”، جُلِب الزواري إلى غزة بين عامَيْ 2012-2013، حيث زار المهندس القطاع أكثر من 3 مرات، ومكث هناك قرابة 9 أشهر، حيث استكمل بناء وتطوير مشروع الطائرات.
جاء عام 2014، وحمل معه الظهور الأول لطائرة أبابيل السابق الإشارة إليها، وهي الطائرة التي مَثَّلت إعلانا رسميا عن تحوُّل إحدى أبشع مخاوف الاحتلال الإسرائيلي إلى واقع. بعد هذه الحادثة بعامين فقط، اغتيل الزواري يوم 15 ديسمبر/كانون الأول عام 2016، حين كان يستعد لتشغيل سيارته، إذ اعترضت شاحنة صغيرة طريقه وأطلق شخصان 20 رصاصة عليه داخل سيارته أمام منزله بمنطقة العين في محافظة صفاقس بتونس.
الزواري التحق بصفوفها وعمل فيها منذ عام 2006، وكان أحد القادة الذين أشرفوا على مشروع طائرات “الأبابيل” التي كان لها دور في حرب “العصف المأكول” عام 2014. وبعد سبعة أعوام من إطلاق الأبابيل، تكشف كتائب القسام النقاب عن جيلَيْن جديدين من الطائرات المُسيَّرة، وهما “شهاب”، ومن بعده “الزواري”، تيمُّنًا بالرجل الذي قاد أحلام الفلسطينيين والعرب للتحليق فوق مبنى وزارة الدفاع الإسرائيلية.
يبدو المشهد مليئا بالمفارقات، إذ تُخبرنا نظرة سريعة إلى دول “الشرق الأوسط” أن هناك قوتين فقط تُهيمنان على عالم صناعة الطائرات المُسيَّرة في المنطقة، هما تركيا وإسرائيل. بالطبع كان الاحتلال أبرز القوى المُهيمنة في هذا المجال لفترة طويلة، حيث تُعَدُّ إسرائيل أكبر مُصدِّر للطائرات بدون طيار في العالم بعد الولايات المتحدة، وذلك انطلاقا من كونها “حكومة في حالة حرب دائمة”، حيث بدأت باستعمال المُسيَّرات أثناء غزو لبنان عام 1982، ومن ثم شرعت في بيع هذه الطائرات إلى الولايات المتحدة، وصولا إلى استخدام ستة جيوش من جيوش الدول الأعضاء في الناتو للمُسيَّرات الإسرائيلية، المشتهرة بعلامتها الصفراء المميزة، التي عرفها الجميع منذ اندلاع الانتفاضة الثانية وتزايد عمليات الاغتيالات، وحرب غزة عام 2008.
تُعَدُّ المُسيَّرات أحد أهم الأسلحة على المستويين الإستراتيجي والتشغيلي، فبخلاف كونها غير مُكلِّفة بالمقارنة مع الأسلحة التقليدية وفي مقدمتها الطائرات النفاثة، فإن تصنيع المُسيَّرات يُعَدُّ امتيازا لعدد قليل من الدول التي يمكن حصرها على أصابع اليد الواحدة، لذلك فإن النجاح في اختراق هذا المجال لا يبدو أمرا يسيرا، كما أنه يُتيح لصانعه الارتقاء لمراتب أكثر تقدُّما من الناحية التقنية والعسكرية، وهو ما يتوافق مع تصريح الإذاعة الإسرائيلية الذي أشرنا إليه أعلاه.
لذلك فإن دخول المقاومة الفلسطينية إلى نادي تصنيع الطائرات المُسيَّرة يُعَدُّ إيذانا بتحوُّل جذري في موازين الصراع، إذ إنّ النوع الاستطلاعي منها يعني قدرة المقاومة الفلسطينية على رفع جودة عمليات الرصد، وتحديد الأهداف، وكشف انتشار الجيش، ومعرفة المدى المطلوب لتوجيه الصواريخ وغيرها من العناصر القتالية، بالإضافة إلى تحديد خريطة الأماكن الحساسة. وربما يكون أحد الأسباب الرئيسية لتمكُّن المقاومة من استهداف العديد من الأهداف الحساسة في الحرب الحالية هو تحسُّن قدرتها على الرصد الجوي باستخدام المُسيَّرات.
لم يقتصر الأمر على الرصد فقط فيما يبدو، حيث مَثَّلَ استهداف القسام لمنصة الغاز الإسرائيلية في عرض البحر قبالة ساحل شمال غزة، واستهدافها تحشيدات عسكرية على تخوم قطاع غزة باستخدام طائرة مُسيَّرة من نوع “شهاب”، إيذانا بتحوُّل حقيقي نحو استخدام المُسيَّرات في عمليات قتالية مباشرة، مع ما يعنيه ذلك من تنوُّع بنك أهداف المقاومة، وقدرتها على إصابة منشآت الاحتلال ومؤسساته الحساسة بدقة ومباغتة.
وختاما، يبقى لنا أن نُشير إلى أهم الطائرات المُسيَّرة في ترسانة المقاومة في الوقت الراهن، وإذا أردنا توخي الدقة فإن علينا أن نقول إن هذا هو ما نعرفه أو ما اختارت المقاومة أن تكشف عنه في الوقت الراهن، مع عدم استبعاد وجود أنواع أخرى من المُسيَّرات ربما تتكشَّف خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة.
- طائرة أبابيل
هي أول طائرة لكتائب القسام، أُطلقت عام 2014، وأُنتجت ثلاثة نماذج منها هي: (A1A) ذات المهام الاستطلاعية، و(A1B) وهي ذات مهام هجومية – إلقاء، وأخيرا (A1C) المتخصصة في المهام الهجومية الانتحارية.
- طائرة شهاب الانتحارية
أُعلن عنها يوم 13 مايو/أيار الحالي، حيث استهدفت كتائب القسام عبر عدد منها منصة الغاز في عرض البحر قبالة ساحل شمال غزة، وتحشيدات عسكرية على تخوم قطاع غزة.
- طائرة الزواري
أحدث جيل من الطائرات المُسيَّرة لكتائب القسام، وأُعلِن عنها يوم 19 مايو/أيار، حيث أجرت طلعات رصد واستطلاع لأهداف ومواقع إسرائيلية.
نهاية، تبقى مساحة الطائرات المُسيَّرة لكتائب القسام مجهولة إلى حدٍّ كبير، وما خَفِيَ منها ربما يكون أكبر بكثير مما هو مُعلَن، لكن المؤكَّد أن المقاومة الفلسطينية باتت تمتلك سلاحا نوعيا يبدو أنه سيُغيِّر جذريا من معادلات الاشتباك السائدة خلال الأعوام الفائتة.
المصدر : الجزيرة