أنثى الأخطبوط تعذب نفسها وتأكل جسدها بعد التزاوج.. العلماء يعرفون السبب أخيرا
موت الأم يحمي على الأرجح الأطفال من الجيل الأكبر سنا. حيث تعد الأخطبوطات كائنات آكلة للحوم وإذا علقت الأخطبوطات الأكبر سنا بالجوار فقد ينتهي بها الأمر بأكل كل صغار بعضها البعض.
تموت العديد من أنواع الحيوانات بعد أن تتكاثر، إلا أن الأمر بالنسبة لأمهات الأخطبوط محير ومقلق ومختلف. ففي معظم الأنواع، عندما يقترب بيض الأخطبوط الأنثى من الفقس، تتوقف عن الأكل وتصبح عازمة على تدمير نفسها، وقد تضرب نفسها في صخرة وتمزق جلدها أو حتى تأكل قطعا من أذرعها.
وقد اكتشف الباحثون في دراسة نشروا نتائجها في 12 مايو/أيار الجاري في دورية “كارنت بيولوجي” (Current Biology)، أنه يبدو أن المواد الكيميائية تتحكم في هذا الجنون المميت. فبعد أن تضع الأخطبوط بيضها، تخضع لتغييرات في إنتاج واستخدام الكوليسترول في جسدها، مما يؤدي إلى زيادة إنتاجها لهرمونات الستيرويد، وهو تحول كيميائي حيوي سيقضي عليها.
end of list
مبرمجة للموت
تقول “ز. يان وانغ”، الأستاذ المساعد في علم النفس وعلم الأحياء بجامعة واشنطن، في تقرير لـموقع “لايف ساينس” (Live Science)، لقد أذهلني الموت الدراماتيكي لأمهات الأخطبوط بعد أن يضعن بيضهن. لم يكن أحد يعرف الغرض من هذا السلوك. وتضمنت النظريات فكرة أن عروض الموت الدراماتيكية تجذب الحيوانات المفترسة بعيدا عن البيض، أو أن جسم الأم يطلق العناصر الغذائية في الماء الذي يغذي البيض.
وتضيف وانغ إن موت الأم يحمي على الأرجح الأطفال من الجيل الأكبر سنا؛ حيث تعد الأخطبوطات كائنات آكلة للحوم وإذا علقت الأخطبوطات الأكبر سنا بالجوار فقد ينتهي بهم الأمر بأكل كل صغار بعضهم البعض.
وقد وجدت دراسة أجريت عام 1977 من قبل جيروم وودنسكي، وهو عالم النفس بجامعة برانديز، أن الآلية الكامنة وراء هذا التدمير الذاتي للأخطبوط الأم تكمن في الغدد البصرية، وهي مجموعة من الغدد بالقرب من عين الأخطبوط تكافئ تقريبا الغدة النخامية عند البشر.
ووجد وودنسكي، أنه إذا تم قطع أعصاب الغدة البصرية، فإن الأخطبوط الأم ستتخلى عن بيضها وتبدأ في تناول الطعام مرة أخرى وتعيش لمدة 4 إلى 6 أشهر أخرى. وهذا امتداد في العمر مثير للإعجاب بالنسبة إلى كائنات تعيش حوالي عام واحد فقط. لكن لم يعرف أحد ما الذي تفعله الغدة البصرية للسيطرة على سلسلة إيذاء النفس هذه.
وتقول وانغ، “منذ البداية، كنت حريصة حقا على إجراء التجارب التي حددناها في الورقة التي نشرناها للتو، والتي تتمثل أساسا في عصر الغدة البصرية ثم تحديد مكونات ذلك العصير”. ولذا قامت وانغ وزملاؤها بتحليل المواد الكيميائية المنتجة في الغدد البصرية لأخطبوط كاليفورنيا “ذي البقعتين” (bimaculoides) بعد وضعها للبيض.
وكان تحليل جيني لنفس النوع، أجري في عام 2018، أظهر أنه بعد وضع البيض بدأت الجينات الموجودة في الغدد البصرية التي تنتج هرمونات الستيرويد، التي تتكون جزئيا من مكونات الكوليسترول، في زيادة نشاطها. وتم الاستفادة من هذه الدراسة كدليل إرشادي، فقد ركز العلماء على المنشطات والمواد الكيميائية ذات الصلة التي تنتجها الغدد البصرية في الأخطبوط ذي البقعتين.
تغييرات قاتلة
ووجدت وانغ 3 نوبات كيميائية منفصلة حدثت في الوقت الذي وضعت فيه الأخطبوط الأم بيضها. الأولى كانت بزيادة في البرينجينولون والبروجسترون، وهما هرمونان مرتبطان بالتكاثر في مجموعة من الكائنات. وفي البشر على سبيل المثال يرتفع هرمون البروجسترون أثناء الإباضة وأثناء مراحل الحمل المبكرة.
وكانت التحولات الثانية أكثر إثارة للدهشة، فقد بدأت الأخطبوط الأم في إنتاج مستويات أعلى من الكوليسترول تسمى “ديهيدروكوليسترول-7” (7-dehydrocholesterol)، أو “دي إتش سي-7” (7-DHC). وينتج البشر “دي إتش سي-7” في أثناء عملية إنتاج الكوليسترول أيضا، لكنهم لا يحتفظون به في أنظمتهم لفترة طويلة لأن المركب سام.
وفي الواقع، لا يمكن للأطفال المولودين بالاضطراب الوراثي “متلازمة سميث ليملي أوبيتز” (Smith-Lemli-Opitz syndrome) التخلص من “دي إتش سي-7”. والنتيجة هي الإعاقة الذهنية والمشاكل السلوكية بما في ذلك إيذاء النفس، والتشوهات الجسدية مثل أصابع اليدين والقدمين الإضافية، وشق سقف الحلق.
أخيرا، بدأت الغدد البصرية أيضا في إنتاج المزيد من مكونات الأحماض الصفراوية، وهي أحماض ينتجها الكبد في البشر والحيوانات الأخرى. ولا تنتج الأخطبوطات نفس النوع من الأحماض الصفراوية مثل الثدييات، لكنها على ما يبدو تصنع اللبنات الأساسية لتلك الأحماض الصفراوية.
وتقول وانغ إن مكونات حمض الصفراء مثيرة للاهتمام، لأنه ثبت أن مجموعة مماثلة من الأحماض تتحكم في العمر الافتراضي لدودة “سينرابدايتيز إليغنز” (Caenorhabditis elegans)، والتي تستخدم عادة في البحث العلمي بسبب بساطتها. وبالتالي قد تكون مكونات حمض الصفراء مهمة للتحكم في طول العمر عبر الأنواع اللافقارية.