أشياء صغيرة يمكنها إنقاذك.. نصائح علماء جامعة هارفارد لتحسين حياتك
مقدمة الترجمة:
في عصرنا الحديث، يواجه الإنسان ضغوطات كثيرة بسبب إيقاع الحياة السريع وكثرة المشاغل ومحاولة مواكبة متطلبات العمل والعائلة. كل ذلك كفيل بأن يجعله عُرضة للاضطرابات الجسدية والنفسية الشديدة، لكن إذا سمحنا لبعض الأشياء الصغيرة بأن تتسلل إلى يومنا، فقط بعض الممارسات التي يمكن تنفيذها في وقت قصير أو مع جهد يسير، فيمكن أن تتحسَّن حياتنا بشكل لا نتوقعه. في هذه المادة يُقدِّم أطباء جامعة هارفارد دليلا مختصرا لمجموعة من تلك المهام التي يمكنها فعلا مساعدتك.
نص الترجمة:
إن اتباع نظام غذائي نباتي (أو أي نظام غذائي صحي)*، وممارسة الرياضة، والتحكم في الوزن، والامتناع عن التدخين، والحد من تناول الكحول، والحصول على قسط كافٍ من النوم، كلها ركائز أساسية من أجل التمتع بنمط حياة صحي، كما أنها البوصلة التي نهتدي من خلالها إلى تقليل مخاطر الإصابة بأمراض مزمنة. لكن إذا تأملنا حياتنا بعين مُحَايدة، فلا بد أن ينتابنا شعور بأن ثمة أسبابا وجيهة لأن نقع فريسة سهلة لضغوطات الحياة اليومية، إذ لا شيء يرسم صورة أشد وضوحا لمعاناتنا من السرعة التي تَحوَّل بها عملنا من وظيفة بعدد ساعات معينة بها الكثير من النشاطات إلى الانكباب على أجهزة الحاسوب طوال اليوم دون حَراك.
إذا تأملنا في دوامة الحياة اليومية، فسنجد أن العصر الحديث أثقل كاهلنا بطريقة العمل الحالية، وطمس الأصوات الخافتة المنبعثة من داخلنا بأن طريقة عملنا الآنية باتت عقبة تُنذر بأن تصير هاوية جارفة. غير أن هناك أنشطة إذا أطلقنا لها العنان كي تتخلل إلى يومنا، فإنها ستلعب دورا فعالا في إمدادنا بالصحة والعافية، ولأنها قد تبدو بسيطة للغاية، فإننا نغفل عنها بسهولة في دوامة الحياة اليومية، خاصة إن كانت الأهداف الكبيرة المتمثلة في ممارسة الرياضة وتناول وجبات غذائية متكاملة هي كل ما يشغلنا ويسلب تركيزنا. لذا يمكن اعتبار هذه المادة بارقة أمل جديد تومض في أُفقنا المُظلم، ودليلا بسيطا لمساعدتك في أن تتسرب إلى يومك بعض “الأشياء البسيطة” التي تساعدك لكي تنعم بصحة جسدية ونفسية جيدة.
قاعدة النصف ساعة
أحيانا يتسرب إلينا شعور بأن أيامنا في العمل أضحت مجرد وحدات من الزمان الذي لا ينتهي، وأحيانا أخرى ننغمس في العمل لدرجة أننا نتجاوز عالم الزمان والمكان. ولأن هذه الحالة قد تنتهي بما لا يُحمَد عقباه، عليك أن تضبط منبها كل نصف ساعة لأخذ قسط من الراحة. في هذه الأثناء، لا بد أن تنهض وتتحرك في المكان، لأن الجلوس لفترات طويلة يفتح الباب على مصراعيه لأمراض مثل السِّمنة والسكر لتزحف علينا زحفا، وقد ينتهي بك المطاف وجسدك ينوء بمرض السرطان، وأمراض القلب، وربما يغالبك شعور لا ينفك يهمس لعقلك بأن موتك المُبكِّر آتٍ لا محالة.
إن أخذ استراحة فقط كلما تاقت أنفسنا إلى الراحة هو مفهوم خاطئ، لأنه في خضم موجة الانشغال، نادرا ما تُفصِح نفوسنا عما يلزمها من راحة، لذا فالتحرك ولو قليلا يُعَدُّ وسيلة تُخَوِّل للمرء التصدي لمخاطر الإصابة بالأمراض المزمنة. وعن هذا تقول آي مين لي، واحدة من أكبر الباحثين في مجال الرياضة، وأستاذة في كلية الطب بجامعة هارفارد: “إن أخذ قسط من الراحة لا يعني ممارسة أنشطة خيالية أو ثقيلة، بل على العكس من ذلك تماما، فمجرد الوقوف فقط يساعد جسمك في تحسين كيفية تنظيمه لسكر الدم”.
لمحاولة استرداد ما سلبه العمل من صحتك، عليك أن تترك ما بيدك كل نصف ساعة وتقف لترفع ذراعيك إلى الأعلى وكأنهما سيلامسان عنان السماء، بعدها سيكون جميلا لو حرَّكت جسدك في اتجاه اليسار واليمين، أو تجوَّلت قليلا في الأنحاء لكي تسمح لقلبك ورئتيك بأن يعملا على نحو أفضل، أو يمكنك القيام بعمل منزلي سريع (على غرار غسيل الأطباق، أو تفريغ غسالة الصحون، أو طي الملابس)، أو الصعود والنزول على الدرج، أو الخروج لإحضار البريد، أو الرقص على أغنيتك المفضلة. كل تلك الأشياء البسيطة تُعبِّد لنا سُبلا نستدرُّ منها طاقة جديدة تُعيننا على استكمال يومنا.
على المنوال ذاته، تقول الدكتورة مين لي: “تأكَّد من أن تمنح ذراعيك وساقيك الحرية للانطلاق، لأن ذلك سيعود بالنفع على عضلاتك التي تتيبَّس جرّاء الجلوس لفترات طويلة. ولأن الجلوس طويلا قد يُشعرك بثقل يشدك إلى الأرض، فالتجوُّل في المكان يُخلِّصك من هذا الثقل ويُحرِّرك من وثاقه، كما أنه مفيد لوضعية جسدك التي تظل طوال الوقت إما متراخية على الأريكة وإما منحنية على المكتب”.
بعد ذلك، سننتقل إلى الخطوة التالية وهي شرب الماء. إبقاء جسدك رطبا يحافظ على عمل كل خلية من خلايا جسدك بصورة جيدة. غير أن الأمر يتطلب جهودا متضافرة للتأكد من حصولك على كمية كافية من السوائل (التي يمكن أن يكون مصدرها الماء أو العصير أو الأطعمة التي تحتوي على سوائل مثل الحساء أو الفاكهة على غرار التوت أو الكرز). لمعرفة كمية السوائل التي يحتاج إليها جسدك، قسِّم وزن جسمك بالأرطال على ثلاثة (فمثلا، يحتاج الشخص الذي يزن 144 رطلا -نحو 67 كيلوغراما- إلى 48 أونصة من السوائل يوميا، أي ما يُعادل ستة أكواب). أما إذا كنت تستصعب الأمر أو تتكاسل أو تسهو عن عدّ الأكواب التي يجب أن تشربها، فعليك فقط أن تشرب ربع كوب ماء كل نصف ساعة أثناء أخذ الاستراحة، وهكذا ستضمن تلبية احتياجاتك من الماء بنهاية كل يوم.
ما يجب أن تفعله كل بضع ساعات
من المهم أن تترك مساحة لقلبك ليتنسَّم من خلالها نسائم الحرية، وينصرف عن ضغط العمل كل بضع ساعات بممارسة بعض العادات البسيطة. عندما تشعر بأنك مُتهالك الأعصاب أو أن ذهنك مشتعل ويأبى أن يتركك في راحة، فكل ما عليك فعله هو أن تترك ما بيدك وتتناول وجبة خفيفة أثناء الاستراحة بين مهمتين، لأن ذلك سيُخلِّف وراءه شعورا طيبا يُخالِط قلبك. وللتأكيد تقول ليز مور، أخصائية التغذية في مركز طبي تابع لجامعة هارفارد: “يمكن أن تساعدك الوجبات الخفيفة التي تتناولها عدة مرات يوميا في إبقاء طاقتك عالية، والحفاظ على استقرار مستويات السكر في الدم، فضلا عن أنها تزيد من تنوع الأطعمة في نظامك الغذائي. لذا سيكون من الرائع لو تناولت وجبة خفيفة في الفترة التي تفصل بين وجبتَيْ الإفطار والغداء، وأعدت الكَرَّة مرة أخرى بين فترة الغداء والعشاء”.
على المنوال ذاته، تنصحنا مور بضرورة أن تكون هذه الوجبات الخفيفة مُغذية وغنية بالبروتينات والكربوهيدرات لتحقق التوازن داخل أجسامنا. لذا قدَّمتْ بعض الترشيحات لوجبات خفيفة مفيدة، على غرار كوب من الزبادي الخالي من الدسم مصحوبا بنكهة، ولتكن التوت على سبيل المثال، مع حفنة من المكسرات، أو تناول التفاح أو الموز مع ملعقة من زبدة الفول السوداني، أو نصف كوب من حبوب الفطور (المقرمشات) المصنوعة من حبات القمح الكاملة وإضافة الحليب إليها، أو بيضة مسلوقة بجانب هذه المقرمشات، أو حتى تناول جزء صغير مما تبقَّى من وجبتك السابقة. وتُعَدُّ هذه متعا صغيرة مُختلَسة من دوامة الحياة اليومية.
اليقظة الذهنية طوق النجاة
أحيانا تجعلنا ضغوطات الحياة نتأمل فيما أمامنا بعينين لا تريان شيئا، وأحيانا كثيرة تجري أعيننا على ما حولنا جريان الشرود والتيه. لذا عليك في هذه الأوقات أن تستحضر “اليقظة الذهنية” أو تمارس “التأمل الواعي”، بمعنى أن تصب جام تركيزك على الأحداث الداخلية والخارجية التي تجري في اللحظة الراهنة. فاليقظة الذهنية ترتبط ارتباطا جوهريا بكيفية إدراكنا للعالم حولنا، وكيفية اختباره على مهل، والاستمتاع بكل ما نراه، وما يتناهى إلى مسامعنا، وما تلتقطه أنوفنا، وماهية المشاعر التي تغمرنا في هذه اللحظة، وكيف يتفاعل ذلك كله بأعماقنا، وكيف نحسه ونراه ونتعامل معه وفقا لمزاياه الخاصة.
لذا، فإن مجرد التوقف عما تفعله، والتركيز على ما تلتقطه حواسك سينفض عنك التعب والضغوطات. فمثلا أثناء غسل يديك، حاول أن تركِّز على درجة حرارة الماء، وتأمل كيف تتحرك يداك وتنزلقان على بعضهما، وحاول الاستمتاع برائحة الصابون التي يلتقطها أنفك، وفي النهاية تساءل: ما الذي طبعته التجربة كلها على وجدانك؟ أو استحضر ذهنك كاملا واذهب في نزهة قصيرة إلى الخارج، وحاول خلال هذه النزهة أن تستعير من ألوان الجمال ما تظن أنه يُغني عما استرده العمل من طاقتك. تأمل في أشكال وألوان الأوراق على الأشجار، واسمح لقلبك بأن يتنسَّم الروائح العليلة في الهواء الطلق.
إن أرهفتْ سمعك، فسيَستخِفُّك طرب عذب لا يتأتّى لغير أصوات الطيور وصفه، تأمل كيف ارتوتْ نفسك من هذا المشهد البديع الذي ما زال ينسج فصولا كلما أمعنت فيه النظر أكثر. تأمل كيف لنزهة كهذه أن تستدرّ الرحمة وتطرد الوَحشة، وتنفض عنك غبار التوتر والقلق، وتُحسِّن من نومك، وتُعدِّل من حالتك المزاجية والنفسية، فضلا عن أنها تزيد من تركيزك، وتُخفِّف من وطأة الألم الذي يُثقِل كاهلك، وتُنقذك من التعثر بأذيال الأمراض المزمنة.
ثمة أشياء أخرى علينا ألا نغفل عنها، منها ضرورة الحفاظ على العين رطبة باستخدام قطرات العين. لا يتطلب الأمر إلا أن ترمش بعينك فقط للحفاظ على رطوبتها، فهذه العملية تُحفِّز إفراز الدموع والزيوت التي تعمل على تليين سطح العين وإبقائه رطبا. لكن مع تقدُّمنا في العمر، تبدأ عملية إفراز الدموع في التباطؤ، ويزداد جفاف العين أكثر كلما قضينا وقتا أطول أمام الشاشات الإلكترونية، مثل التلفاز، أو شاشة الهاتف أو الحاسوب. لتلافي هذه الأزمة، عليك استخدام قطرات العين بانتظام على مدار اليوم، ولا بأس إن كانت القطرات تحتوي على مواد حافظة، بشرط أن تستخدمها أقل من 6 مرات في اليوم.
تعلَّم شيئا جديدا كل يوم
حاوِل أن تتعلَّم شيئا واحدا جديدا كل يوم، لأنه يُعزِّز من الوصلات العصبية أو ما يُعرف بـ”نقاط التشابك العصبي”، ويخلق روابط جديدة، وهذه العملية تساعدك على مواصلة التفكير والتمتع بذاكرة قوية وحادة. فكلما بنيت مزيدا من نقاط التشابك العصبي، حظيت بالعديد من المزايا، على غرار التمتع بهيئة شبابية أصغر. لذا عليك أن تُدرج في جدولك موعدا كل يوم لتتعلَّم شيئا جديدا، سواء مشاهدة جزء من فيلم وثائقي، أو الاستماع إلى نوع جديد من الموسيقى، أو قراءة كتاب غير خيالي، أو مشاهدة محاضرة ممتعة على اليوتيوب (ابحث عن “محاضرات جامعية” لأنها ستفتح لك بابا من خيارات لا حصر لها). كل تلك الأشياء قادرة على أن تنفض عنك غبار الملل وتبعث فيك الحياة واليقظة من جديد.
في السياق ذاته، يقول الدكتور أندرو بودسون، طبيب الأعصاب ورئيس قسم علم الأعصاب الإدراكي والسلوكي في مستشفيات نظام فيرجينيا للرعاية الصحية: “دَوِّن ما تعلَّمته، وشارِك هذه المعلومات مع شخص آخر في حياتك، لأن ذلك يزيد من ثبات هذه المعلومات في الدماغ، ويساعد ذاكرتك على الاحتفاظ بصورة أفضل لهذه المعلومات”. التواصل الاجتماعي أيضا يلعب دورا في إشغال الدماغ دائما، فالتحدث مع شخص ما من خارج أسرتك، بشرط أن يكون التفاعل معه ممتعا أو هادفا، يزيد من وصلات الخلايا العصبية، ويُحسِّن من حالتك المزاجية والنفسية، ويقلل من وطأة الشعور بالعزلة والوحدة، وقد يلعب دورا في تقليل مخاطر الإصابة بالأمراض المزمنة والوفاة المبكِّرة.
لذا حاوِل خلق جسر مُمَهّد بينك وبين أحد الأصدقاء يمكنك عبوره ولو مرة واحدة على الأقل يوميا. لا يتطلب الأمر بذل مجهود كبير، مجرد مهاتفة صديق، أو إجراء محادثة قصيرة مع أحد الجيران ستفي بالغرض. وعن هذا يقول الدكتور بودسون: “سيكون أفضل لو أن الشخص الذي تتواصل معه لا تراه يوميا، إذ يساعد ذلك في خلق روابط عصبية جديدة في عقلك بدلا من الاكتفاء بتعزيز الروابط العصبية الموجودة سابقا”.
التأمل وسيلة معوِّضة سيكولوجيًّا
إن الوسيلة التي ينجذب نحوها الخيال لا يمكن اعتبارها وسيلة لا مبالية وبلا تأثير، بل هي في الأساس وسيلة مرتبطة سيكولوجيًّا بعملية الاسترخاء، فالتأمل عملية مرتبطة جوهريا بالاسترخاء والتخلص من الضغوطات التي تثقل كاهلنا. فعلى المدى القصير، ينجم عن الضغوطات سلسلة من التغييرات الفسيولوجية، فينتهي بنا المطاف على أعتاب حالة من “الكرّ والفرّ”، وهي استجابة نفسية يستنفد خلالها البشر طاقة الجهاز العصبي لمواجهة الضغوطات. فإن ألقينا بأنفسنا دائما في تيار زاخر بالضغوطات النفسية، فقد نُعاني جرّاء ذلك من التهابات مزمنة، وارتفاع نسبة السكر في الدم، وارتفاع ضغط الدم، وربما تجر هذه الكارثة وراءها كوارث أخرى أشد إيلاما.
لذا في نهاية المطاف، إن كنت تشعر بأنك مُكبَّل بالضغوطات، فالتأمل مرة واحدة يوميا على الأقل يساعد على التحرر من هذه الأغلال. وإن كنت تشعر بأنك حبيس للتوتر، فإن الاسترخاء يُساعد على إطلاق سراحك وتحرير وثاقك منه. ثمة طرق عديدة لممارسة التأمل، أبسطها التنفس بعمق لمدة 10 أو 15 دقيقة، أو ممارسة اليوغا أو اليقظة الذهنية -التي تحدثنا عنها سابقا- أو التأمل التجاوزي أو ما يُعرَف بـ”التأمل السامي”، وهو طريقة للوصول إلى السلام الداخلي والتجديد الروحي بالنظر إلى الواقع نظرة تأملية خارجة عن المألوف.
———————————————————
هذا التقرير مترجم عن Harvard University ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.
ترجمة: سمية زاهر.