آخر أباطرة المغول.. بهادر شاه الملك الذي انتهت بوفاته 8 قرون من الحكم الإسلامي في الهند
بهادر شاه ظفر الإمبراطور المغولي الأخير للهند، تزامن حكمه مع سيطرة شركة الهند الشرقية على الهند، فعزلته بريطانيا إثر مباركته الثورة ضد ظلمها وقتلت عددا من أفراد أسرته ونفته إلى ميانمار، وبعزله انتهى حكم المسلمين للهند الذي استمر 8 قرون، وحكم المغول الذي امتد 3 قرون.
المولد والنشأة
ولد أبو الظفر سراج الدين محمد شاه الثاني الملقب بـ”بهادر شاه” ابن محمد أكبر شاه الثاني، في 24 أكتوبر/تشرين الأول 1775 في الهند، ويقال إنه حفيد مباشر لأشهر الأباطرة المغول مثل جنكيز خان وتيمورلنك.
كان بهادر شاه الابن الأكبر للشاه محمد أكبر من زوجته الهندوسية لالباي أميرة راجبوت، وولد في فترة كانت السيطرة البريطانية على الهند وسلاطين الإمبراطورية المغولية الإسلامية في توسع وامتداد.
وشهدت نشأته تحوّل التجار الإنجليز إلى قوة عسكرية تتضاءل أمامها قوة أباطرة المغول المسلمين، كما شهدت نهضة أدبية وندوات علمية وشعرية تقام بالقلعة الحمراء؛ مقر الحكم آنذاك.
وكان بهادر شاه خطاطا وشاعرا باللغة الأردية، وتتلمذ في نشأته على الشاعر الصوفي شاه نصير الدين الدهلوي والشيخ إبراهيم ذوق، وعرف بحبه للأدب وجمال شعره وسهولة أسلوبه.
السياق التاريخي لتوليه الحكم
مع تأسيس شركة الهند الشرقية بإذن الملكة إليزابيث الأولى بدأ النفوذ البريطاني على السواحل الهندية، بينما ظل الحكم المغولي المسلم مسيطرا داخل الهند.
وكان القادة الإنجليز على السواحل بمنزلة الحكام؛ يضعون القوانين ويشكلون قوات الشرطة، مما أزعج سراج الدولة حاكم إقليم البنجاب، الذي كان يحظى بدعم من فرنسا، فهاجم الإنجليز عام 1757 وكانت معركة بلاسي.
وهزم الهنود فأصبح الإنجليز يحكمون المنطقة ويفرضون الضرائب وينشرون التنصير ويسعون لمحو المظاهر الإسلامية للدولة ومحاربة التعليم الإسلامي، إضافة إلى إهانة المعتقدات الدينية المختلفة ونشر العداوة بين معتنقيها.
كانت أعمال الحكومة في تلك الفترة تصدر عن الإنجليز، لكن الحكم كان باسم السلطان المسلم الذي يذكر في المساجد وتضرب النقود باسمه، لكن السيطرة الفعلية كانت للبريطانيين الذين يدفعون رواتب السلاطين ومخصصاتهم ويفرضون سيطرتهم عليهم وينوبون عنهم في الحكم.
فكان السلاطين كالموظفين عند السلطات الإنجليزية التي طال نفوذها التحكم بمداخل دلهي ومخارجها.
تولي بهادر شاه الحكم
بعد وفاة والده تولى بهادر شاه ظفر الحكم عام 1838 وعمره حينئذ 60 عاما، وكان أسير القلعة الحمراء التي أنذر البريطانيون بتحويلها إلى ثكنة عسكرية بعد وفاة الإمبراطور.
وعرف الإمبراطور بهادر بحبه للحدائق وعنايته برسامي المنمنمات، وكان ملكا عند رعاياه في دلهي والمناطق المحيطة بها، إلا أن الحكم الفعلي كان لشركة الهند الشرقية، وهي التي كانت تدفع له راتبه.
كان بهادر شاه إمبراطورا مسنًّا ضعيف السلطة، ودوره القيادي كان ضعيفا مقارنة بأسلافه المغول مثل جنكيز خان وتيمورلنك وغيرهم من القادة المسلمين في الهند، ولم يمنعه ذلك من أن يصبح رمزا جذابا للحضارة الإسلامية ومثالا للملك المتسامح مع رعاياه من غير ملته.
وقاد أعظم نهضة أدبية عرفها تاريخ الهند الحديث، وقدم فيها الشاعر الهندي الشهير ميرزا غالب، كما كان هو شاعرا ويوقع كتاباته باسم “ظفر” الذي يعني النصر في اللغة الأردية.
وبعد توليه الحكم في فترة تاريخية كانت بريطانيا فيها محكمة سيطرتها على الهند، كان من الصعب أن يقلص بهادر شاه تلك القوة العظمى لبريطانيا والمتمثلة في شركة الهند الشرقية.
ثورة دلهي 1857
في العاشر من مايو/أيار 1857 بدأ التمرد الهندي ضد حكم شركة الهند الشرقية التي تفرض سيطرة نيابية عن التاج البريطاني، بدأت الثورة بجماعات سرية في دلهي القديمة تدعو للوحدة ضد العدو البريطاني.
كانت البداية من دواخل صفوف الجيش البريطاني نفسه فأثار ذلك استغراب الإنجليز، ومن ثكنات الجنود الهندوس والمسلمين تحديدا من المعسكرين في ميرت.
وكانت شرارة الثورة هي ما قام به الإنجليز من إهانة للجنود الهندوس والمسلمين بجعلهم يقطعون دهون الخنازير والبقر لتشحيم أسلحتهم، وعدّ الجنود ذلك إهانة لأن الخنزير نجس في الإسلام، والبقر مقدس عند الهندوس.
وكان من أهداف الثورة الوقوف ضد كل مظاهر الظلم والاستبداد من الإنجليز، والاعتراض على الضرائب العالية التي يفرضونها، ولتقويض محاولتهم السيطرة على الحياة الاجتماعية في الهند.
وفي 11 مايو/أيار 1857 اقتحم الجنود الهنود القلعة الحمراء ملتمسين مباركة الإمبراطور بهادر شاه لانتفاضتهم، وعرضوا عليه استعادة كامل سلطته مقابل تولي قيادة الثورة.
فباركها ووقف مع الانتفاضة ضد البريطانيين باعتبارها الأمل الأخير للحفاظ على ملك سلالته الذي هددت بريطانيا بإنهائه، وحوّل القلعة إلى مركز تدريب لجنود الثورة، وأوقف دفع المخصصات للأسرة المالكة.
لم تكن للثوار ولا الإمبراطور خبرات عسكرية أو تخطيط سابق للثورة مما أدى إلى هزيمتهم أمام القوة البريطانية الكبيرة، رغم دخول الهنود بشجاعة كبيرة في تلك المعركة غير المتكافئة.
اعتبر الإنجليز وقوف بهادر شاه ظفر مع الثورة خيانة، فهم يرون أنهم أولياء نعمته، فانقضّوا غاضبين على معاقل الثوار وأسروا بهادر شاه وأسرته وقادوهم مكبّلين، وأثناء ذلك أطلق أحد الضباط الإنجليز النار على أسرته فمات اثنان من أبنائه وحفيده.
وكانت هذه الثورة آخر محاولة مغولية للخروج عن السيطرة البريطانية، لكنها أسفرت عن انتهاء الحكم الإسلامي في الهند الذي استمر 8 قرون، وقوّضت حكم المغول فيها الذي امتد 3 قرون بأسر بهادر شاه.
نفي بهادر شاه ومحو أثره
بعد أسر بهادر شاه والتمثيل بجثث القتلى من أسرته، قدم إليه الإنجليز رؤوس ابنيه وحفيده ووجوههم مغطاة بالدم في أواني طعام مغلقة، فلما كشف الأواني لتناول الطعام رآها وقال “إن أولاد التيموريين البواسل يأتون هكذا إلى آبائهم محمرة وجوههم”؛ كناية عن الفخر والنصر في اللغة الأردية.
حوكم بهادر شاه في محاكمة صورية بتهمة الخيانة والتآمر مع ابنه ميرزا ضد الإنجليز والمشاركة في قتلهم، وحكم عليه بالنفي هو وأسرته وحاشيته إلى ميانمار حاليا، لكنه عزل في منفى عن بقية أفراد أسرته وبقي فيه وحيدا 4 أعوام حتى توفي.
سعى البريطانيون لمحو أثر الحكم المغولي الإسلامي في الهند، والذي عرف بتسامحه مع الطوائف الدينية المختلفة، وسعوا خاصة خلف مظاهر النهضة الفنية والأدبية التي خلفها بهادر شاه في القلعة.
الوفاة
توفي بهادر شاه ظفر في منزل خشبي رث في يانغون بمنفاه في ميانمار، ولفظ أنفاسه الأخيرة في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1862 عن عمر ناهز 87 عاما، وختم حياته وحيدا بعد أن شتّت الإنجليز شمل أسرته وقتلوا أكثرها.
دفن في قبر عادي بالقرب من معبد شويداغون، ولم تنشر أي صحيفة هندية أو بريطانية نبأ وفاته، ولم يصل خبر وفاته إلى الهند إلا بعد أسبوع، وطويت بوفاته صفحة الحكم المغولي الإسلامي للهند، وأمرت الملكة إليزابيث بنقل الحكم من شركة الهند إلى التاج البريطاني بشكل مباشر لتكون الهند رسميا ضمن مستعمرات بريطانيا.
نُسي الإمبراطور المغولي الأخير لقرن كامل ثم أحييت ذكراه بعد أن وجد قبره في 1991 واهتم المؤرخون بإرثه، وقص مسلسل هندي في ثمانينيات القرن الماضي ذكرى ذلك العصر.
وسميت طرق في دلهي وكراتشي باسمه، كما سميت حديقة في دكا باسمه أيضا، وأصبح ضريحه الذي أعيد بناؤه مقرّ حج لمسلمي يانغون، وخلّف بهدر شاه إرثا أدبيا صوفيا باللغة الأردية يحفظه أهل تلك البلاد.