مقالات

مني أبوزيد تكتب:..هناك فرق ..فيضان آخر..!

مني أبوزيد تكتب:..هناك فرق ..فيضان آخر..!

 

 

“النزعة الاستعلائية هي البيئة النفسية التي ينمو فيها التطرف الديني، فالإرهاب في مجمله غرور ديني يبدأ بثقافة إنكار التَدَيُّن على الآخر”.. الكاتبة..!*

 

 

الخطر في سوريا بعد سقوط نظام الأسد والخطر منها –  كما يؤكد بعض الباحثين في شئون الجماعات المتطرفة – ليس في سيطرة التنظيمات القديمة بل في الثوب الجديد الذي تظهر به بعضها، وفي وعودة امتدادها – في حال أفغنة سوريا – نحو دول أخرى ليس السودان مستثنى منها..!

بيوت سودانية ليست بالقليلة كانت مغلقة قبل سنوات – ليست بالكثيرة – على قلوب مفطورة بشأن مصائر شباب مؤهلين أكاديمياً” وهذا غريب” ميسورين مادياً” وهذا مدهش”، التحقوا بتنظيم داعش الأصولي المتطرف الذي كان يستخدم في تجنيدهم قوة العلم وأناقة التكنولوجيا ..!

شيوع ظاهرة الدعشنة – إن جاز لكم هذا التعبير – بين طلبة الجامعات الخاصة المرموقة أجبر البرلمان على أن يعرب عن قلقه في تلك الفترة وأن يقترح على مختلف الوزارات أن تتشارك برنامجاً لتعزيز مبدأ وسطية الإسلام ونشر التوعية عبر وسائل الإعلام. لكن المسألة بكل أسف – وكالمعتاد – كانت أعمق من ذلك ..!

“الدعشنة” هي عمل سرِّي أتى كنتيجةٍ راجحة لثقافة علنية، بشَّر بعضنا بها، وتغاضى عن مثالبها أو انتقدها على استحياء بعضنا الآخر، ونمو داعش في السودان كانت له دلالاته الرمزية وأبعاده الثقافية المترامية، لذا فإن اقتصار الحديث على صدام الحضارات والتطرف الديني التقليدي فحسب هو تبسيط مخل إن لم يكن تضليلاً ..!

كان ينبغي علينا أن نتأمل في أوجه ذلك الصراع بين نمطين إجتماعيين “مسلمون أسوياء ينشدون العيش بكرامة وكفاية وسلام، ويتعاطون مع الدين والوطن باعتبارهم شركاء لا أعداء، وآخرون يتعاملون مع الهوية الدينية بكثير من الغلو والانغلاق، ويستخدمون جهازاً ثقافياً مكرساً للشحن والتعبئة” ..!

فالهوية الدينية في حالة داعش ليست مجرد احتجاج على حال الإسلام وظلم المسلمين، بل هي مؤسسة للإقصاء والإدانة والانتقام تُحمِّل المسلمين من غير الدواعش مسئولية جُل محن الأرض وكوارث الكون ..!

قبل اتخاذ التدابير لا بد أن تعي مؤسسات المجتمع – على تعددها واختلافها – أنها تواجه كياناً عقائدياً ذا بعد ثقافي وأذرع إعلانية أثبتت مختلف الظروف أنها شديدة الجاذبية..!

الغلو والتطرف الديني قديم قدم التاريخ نفسه لكن الجديد مع داعش هو أنها كيان ديني ضد الدولة والمواطن في آن معاً، وهي ضد المؤسسات المدنية وضد المجتمع بمختلف طبقاته أيضاً، وهي ظاهرة تتغذى في انتشارها على دعم البيئة الثقافية الدينية الرائجة بمرجعياتها ورموزها وتطرُّف مواقفها بأفعال وأقوال كانت تجري تحت سمع وبصر الحكومات ومباركتها، في الجوامع والمدارس وعبر صوت الإذاعات وعلى شاشات الفضائيات ..!

المسلمون المعتدلون يجدون أنفسهم اليوم – ومن جديد – أمام معتقد اصطفائي يتصور أصحابه أنهم خلفاء الله وسادة الخلق وحراس الدين، وهم وحدهم الذين يمتلكون الحقيقة، ويتوهمون تطابق المشكلات المعاصرة مع حلولهم القديمة ويغضون الطرف عن باب المصالح المرسلة الذي تركه الدين موارباً إلى يوم يبعثون، فإما الوصائية على الناس وإما شن الحرب عليهم وإنابة عنهم ..!

داعش هي سجن عقائدي خلف أسواره شباب يمتلكون عقولاً نيرة أطفأوا مصابيحها بكامل إرادتهم واختاروا أن يحتطبوا في ظلام الشعارات وأوهام الخلاص، لذلك أقول إننا قبل التدابير الأمنية في سودان ما بعد الحرب نحتاج إلى تأسيس حوار ثقافي له جذور وملامح وبرامج جاذبة ..!

نحتاج في بناء السودان القادم إلى مناهج تربية وتعليم مواكبة متحفزَّة تتصدى لكل ماهو غريب ومتطرف وغير أخلاقي وغير لائق. وقبل ذلك كله بوابة وطنية مفتوحة على مصراعيها للحوار وضمانات عفو تام – غير مشروط – للعائدين من الظلام ..!

 

 

munaabuzaid2@gmail.com

المصدر : صحيفة الكرامة

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى