مقالات

منى أبوزيد تكتب: ..هناك فرق  ..في محكمة السيرة..!

 منى أبوزيد تكتب: ..هناك فرق  ..في محكمة السيرة..!

 

 

“الفضيلة ليست قناعاً يُلبَس في المناسبات، بل هي طاقة يُحسن البعض تصريفها في مجال العمل العام، دون أن يُطالبوا بتحويلها إلى خطاب أخلاقي دائم!”.. الكاتبة..!

 

منذ متى أصبح الوزير مطالباً بأن يكون قدّيساً، وهل تستمد الكفاءة شرعيتها من عدد صور رحلات الحج والعمرة في صفحته على الفيس بوك، أم من عدد ساعات العمل التي قضاها في إنقاذ مرفقٍ عام يحتضر..!

في هذا البلد – كما في غيره من بلدان الهامش والصخب السياسي – لا أحد ينجو من محكمة السيرة، حيث لا يُحاكَم المسؤول على أدائه، بل على مظهره، وأسلوبه، وسلوكه الشخصي..!

في كل مرة يُعيَّن فيها وزير شاب، أو سيدة ذات حضور ملفت، أو مسؤول لا يتحدث بلغة “المسؤولين التقليديين”، تنهال عليه حملات التشكيك والتنمّر، “هذا لا يشبه الوزراء”، “ذاك متزوج من أجنبية”، “تلك تُظهر شعرها”، “هذا له صور قديمة وهو يعزف على العود. ثم ينهض القاضي الأكبر – الرأي العام – ليصدر حكمه غير القابل للنقض..!

في ألمانيا، حين عُيّنت أنالينا بيربوك وزيرة للخارجية، لم يشغل الناس كثيراً كونها لم تكن قد زارت معظم الدول الكبرى، بل ركّزوا على خبرتها الحزبية وملفات الطاقة والبيئة التي قادتها، رغم خلفيتها الرياضية..!

وفي فنلندا، حين ظهرت رئيسة الوزراء سانا مارين ترقص في حفلة خاصة، اشتعل الإعلام، لكنها بقيت على رأس عملها، لأن أداءها السياسي كان صلباَ. وقبل ذلك في أمريكا نفسها، لم يمنع الجدل حول حياة بيل كلينتون الشخصية من الاعتراف بأنه أحد أنجح الرؤساء اقتصادياً، ولو بعد حين..!

لا يمكننا أن نقول بأن السيرة الشخصية لا تهم على الإطلاق، لكنها ليست مقياساً منفرداً، فإذا تعارض السلوك الخاص مع الوظيفة – كأن يسرق وزير المالية أو يتحرش وزير التعليم – فهذه خيانة أمانة جريمة. نكراء تستوجب العقاب الذي قد يدخل في قبيله التشهير..!

أما أن يُهاجم المسؤول لأنه انفصل عن زوجته، أو لأنه لا يودي بعض العبادات علناً، أو لأنه “غير تقليدي”، فذلك شكل فجّ من أشكال التنمر الجماعي، باسم الفضيلة..!

في السودان، كم من مسؤول نزيه ومجتهد قد يسحب من الحياة العامة لأن “السمعة” أصبحت ملعباً سياسياً لا ساحة أخلاق،وكم من فاسد محترف في إخفاء حياته الشخصية، قد ينجو بجلده لأن الناس يحبون الواجهات المهندمة..!

في النهاية، يجب أن نعيد تعريف الأخلاق السياسية،
الأمانة في أداء المهام، الشفافية في استخدام المال العام، احترام القانون، والتواضع في السلطة.أما حياة المسئول الخاصة، فهي مرآة قلبه وليس مرآة كفاءته..!

لنحاكم الوزراء على سياساتهم، لا على صورهم القديمة، فالشعوب تتضرر وتتقهقر من فساد الذمم وخواء العقول، أكثر من تأثرها بغرابة الطباع!.

 

 

munaabuzaid2@gmail.com

 

المصدر: صحيفة الكرامة

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى