
القطع الجائر للأشجار في ولاية الخرطوم وآثاره البيئية بين العبث البيئي وضغوط الحرب
إعداد : مهندس زراعي اختصاصي ومدير إدارة الموارد الطبيعيةبالمجلس الأعلى للبيئة والترقية الحضرية والريفية – ولاية الخرطوم / محمد الأمين المدني
مقدمة :-
تمثل ولاية الخرطوم مركزًا حضريًا وبيئيًا حساسًا في السودان، وتحتضن ثلاث مناطق خضراء كانت تُشكّل حزامًا واقيًا للبيئة والمناخ المحلي وهي غابة السنط، الحديقة النباتية بالخرطوم، ومشروع الحزام الأخضر، إلا أن هذه المناطق تتعرض اليوم لتهديد مزدوج يتمثل في
القطع الجائر للأشجار وتأثيرات الحرب المستمرة التي عصفت بالبنية التحتية والموارد الطبيعية، وقد أدى هذا الواقع إلى تفاقم التدهور البيئي في الولاية وانهيار التوازن الإيكولوجي في نظمها الطبيعية، وسلط المهندس الزراعي الاختصاصي في ورقتة العملية وبحثه على أهمية تلك الاحزمة الواقية للبيئة.
أولًا غابة السنط محطة للطيور المهاجرة :-
وقال إن غابة السنط تعتبر ضحية القطع الجائر والنزاعات المسلحة حيث تُعد من آخر ما تبقى من الغابات الحضرية في العاصمة، وتمثل نظامًا بيئيًا متكاملًا يحوي أنواعًا متعددة من الأشجار، والحيوانات الصغيرة، والطيور المحلية، ومحطة مهمة للطيور المهاجرة القادمة من أوروبا وآسيا عبر وادي النيل، ومع تدهور الغابة بفعل القطع الجائر والتوسع العمراني والحرب، فقدت هذه
الطيور مواقعها التقليدية للتغذية والتعشيش والتوقف المؤقت، مما أدى إلى اختلال مسارات الهجرة وتراجع أعدادها بشكل ملحوظ، وفي السنوات الأخيرة تعرضت الغابة لموجات متكررة من القطع الجائر بهدف استخراج الفحم والحطب وزاد الوضع سوءًا مع اندلاع الحرب، واستخدام الغابة كمأوى مؤقت للنازحين، الأمر الذي أدى إلى إزالة أجزاء واسعة منها، وتضرر البنية التحتية المحيطة بها نتيجة العمليات العسكرية وغياب الأجهزة الرقابية و تصاعد عمليات الاستغلال الفوضوي للأخشاب، مما أسفر عن دمار شامل للنظام البيئي المحلي.
ثانيًا الحديقة النباتية من ارث علمي الي مصير مظلم :-
اما بالنسبة للحديقة النباتية في الخرطوم أكد بانها تُعد من أقدم المراكز العلمية لحفظ النباتات في السودان، وكانت تمثل مرجعًا بيئيًا وتعليميًا على مستوى القارة، لكنها اليوم تواجه مصيرًا مظلمًا نتيجة القطع الجائر للأشجار النادرة بسبب غياب الحماية وضعف المراقبة، وانعدام الصيانة والتشغيل نتيجة توقف الدعم الحكومي وتلف المرافق العلمية والبنية التحتية بفعل أعمال النهب خلال فترات الحرب، بجانب ضياع التنوع النباتي الموثق الذي يمثل تراثًا بيئيًا وعلميًا بالغ الأهمية.
ثالثًا مشروع الحزام الأخضر أرض مهملة :-
أُطلق مشروع الحزام الأخضر ليكون خط الدفاع الأول ضد التصحر، ولتحسين جودة المناخ في الولاية، لكن المشروع انهار تدريجيًا بسبب القطع العشوائي للأشجار من قبل السكان المتأثرين بالحرب النازحين، مع توقف أنشطة الصيانة والتشجير نتيجة غياب المؤسسات المعنية بالبيئة و تدمير أنظمة الري وتهالك البنية الزراعية للمشروع وتحول الأراضي المزروعة سابقًا إلى أراضٍ جرداء تتعرض للرياح والتعرية.
وأرجع المهندس الزراعي الاختصاصي اسباب الآثار البيئية الكلية للقطع الجائر والحرب والتصحر وتدهور التربة والتسارع في فقدان التربة السطحية الخصبة، إضافة إلى تقليص مساحات الزراعة والرعي وارتفاع معدلات الزحف الرملي على المناطق السكنية والزراعية، واختلال التوازن المناخي وزيادة درجات الحرارة بسبب انخفاض الغطاء النباتي، مما ادي إلي تراجع نسب الرطوبة وزيادة العواصف الترابية و فقدان التأثيرات المناخية الإيجابية للأحزمة الخضراء، إضافة إلى تدهور الأراضي
الرطبة في انخفاض مناسيب المياه الجوفية نتيجة إزالة الأشجار وانكماش البيئات الطبيعية للطيور والنباتات المائية وتدهور وظائف الأنظمة البيئية التي كانت توفر خدمات حيوية ، مع فقدان التنوع الحيوي الذي تمثل في انقراض بعض الأصناف النباتية المحلية والنادرة و تراجع أعداد الطيور والحشرات الملقّحة و هشاشة التوازن البيئي العام وانخفاض قدرة النظم على التعافي الذاتي.
وأشار المهندس الزراعي في التقرير الي الجوانب البيئية التكاملية الأخرى المتمثلة في فقدان الغطاء الواقي للمدن، وتفكك المجتمعات البيئية (Eco-fragmentation)، مع تدني القيمة الاقتصادية والوظيفية للموارد الطبيعية وضعف القدرة على التكيف مع تغير المناخ وغياب العدالة البيئية.
وطالب المهندس الزراعي الاختصاصي محمد الأمين في توصيات ورقتة العلمية ويحثه بقانون طوارئ بيئي و تفعيل الهيئات البيئية ووضع خطة عاجلة لإعادة التأهيل ، بجانب إشراك الجامعات والمنظمات ذات الصلة وتوفير الطاقة البديلة، وقال إن البيئة لا تعرف الحياد في أوقات الحرب، فبينما تُهدم المدن وتُفرغ المؤسسات تُقتل النظم البيئية بصمت وتُفقد الحياة تدريجيًا.