مقالات

 الركابي حسن يعقوب يكتب: بسبب ديفيد لامي.. بريطانيا في ” فتيل

 الركابي حسن يعقوب يكتب: بسبب ديفيد لامي.. بريطانيا في ” فتيل

 

بريطانيا بكل ما لها من وزن وثقل ضخم وقوة ونفوذ في السياسة الدولية تفشل دبلوماسيتها فشلاََ ذريعاََ في إدارة ملف الحرب في السودان الدولة التي كانت ضمن المنظومة الاستعمارية لها في يوم من الايام.

فشلت حكومة العمال ومن قبلها فشل المحافظين في إدارة رشيدة لعلاقات بلادهم مع السودان ، ورضيت بريطانيا بأن تكون تابعاََ ومجرد عربة في قاطرة تجرها خيول عرجاء حديثة عهد بالسياسة الدولية.

من كان يتصور أن يأتي على هذه الإمبراطورية التي كانت لا تغيب عنها الشمس زمن تصبح فيه مجرد عربة (درداقة) في قاطرة تجرها دويلة الشر إلى الوجهة التي تريدها دون أن يكون لها الخيرة من أمرها.

بريطانيا بكل ما كان لديها من عظمة وصولجان حول العالم تصبح (تابعة) تسير لاهثة في مؤخرة موكب من الدول والكيانات الهشة تقوده دويلة توفرت لها بالكاد شروط الدولة بالمعنى الحقيقي شغلها الشاغل إثارة الأزمات حول العالم بإستخدام المال ولا شيء غير المال..

بعض قادة هذه الكيانات الهشة تدفعهم الفاقةَ والمسغبة للسير في ركاب الشر خلف الدويلة مقابل (جُعل) يسد الرمق ، وبعضهم تدفعه الذلة والمسكنة والهوان ليكون تابعاََ لا يقدر على شيء فيسلم قياده ويهز ذيله راضياََ بالتبعية..فما بال الدولة العظمى بريطانيا وهي تقتفي أثر تلك الكيانات بهذه الصورة المهينة!!

في نوفمبر من العام الماضي طرحت بريطانيا مقترحاََ أعدته هي وسيراليون بشأن الحرب في السودان أمام مجلس الأمن الدولي للتصويت عليه..

المقترح البريطاني كان نموذجاََ لعدم الإلتزام بمباديء العدالة وإحترام سيادة الدول والقانون الدولي، وفيه استخفاف باستقلال السودان ووحدة أراضيه ومؤسساته الوطنية ، كان المقترح البريطاني بإختصار محاولة لفرض (الوصاية) على السودان، وكان يصب في خدمة أجندة دويلة الشر!!

وقد كانت روسيا في الموعد حيث استخدم مندوبها حق الفيتو على الفور لافتاََ إلى أن بريطانيا تجاهلت الحكومة السودانية الشرعية وألغت عملياََ دورها الأصيل في القيام بمهامها بالأصالة عن نفسها. وبالتالي لم يتم إقرار المقترح فكانت هذه لطمة في وجه بريطانيا أفقدت وزير خارجيتها ديفيد لامي إتزانه فوصف الموقف الروسي بغضب بأنه (مشين)!!!

وبالأمس تلقت بريطانيا صفعة أخرى على خدها الأيسر هذه المرة ، ليسوء وجهها وهي صفعة تظهر أن الخارجية البريطانية بقيادة لامي لا تبالي كثيراً بسمعة بريطانيا ومكانتها في الساحة الدولية ، وأن جهاز الاستشعار لديها لم يعد فعالاََ بحيث يستطيع التنبؤ بمآلات الأحداث واستيعاب العبر من الدروس السابقة .

سلك ديفيد لامي نفس الطريق الوعر ، وعاد مرة أخرى للدخول في نفس النفق المسدود ، وانتهج ذات النهج الأول الذي أفضى به إلى الفشل وتوقع أن تكون النتيجة مختلفة!!

كرر لامي نفس الخطأ الذي وقع فيه في المرة الأولى، حيث أستبعد حكومة السودان وهو يعد لمشروعه الخاص بتشكيل مجموعة إتصال لتسهيل محادثات من أجل وقف إطلاق النار بحسب الخارجية البريطانية ، حيث قدمت الدعوة لدول أوروبية وعربية (من بينها الإمارات) و

أفريقية لحضور المؤتمر بالعاصمة البريطانية لندن ولم تقدم الدعوة للسودان رغم أن الأمر يتعلق به والشأن المراد التقرير فيه شأنه ، وهو ما يعد عملياََ عدم اعتراف من جانب بريطانيا بشرعية الحكومة السودانية وهو موقف مرتبك ومتناقض مع واقع الحال ويتماهى مع موقف ميليشيا آل دقلو الإرهابية وجناحها السياسي والكفيل الراعي لهما.

الصفعة لبريطانيا جاءت حينما إنهار مشروعها المشار إليه بسبب رفض دول عربية من بينها مصر والسعودية التوقيع على البيان المشترك عقب المؤتمر وبالتالي فشل المؤتمر في التوصل لاتفاق أرادت له الإمارات أن يكون حصان طروادة يمكنها من إيجاد موطيء قدم لها وللميليشيا وجناحها السياسي ، وانتهى المؤتمر إلى (لا شيء) وهو ما توقعه وتنبأ به السودان حتى من قبل انعقاد المؤتمر.

وبهذا الفشل الداوي تكون بريطانيا قد أدخلت نفسها في (فتيل)، وأضعفت موقفها وهزت مكانتها كفاعل دولي يتصرف بحنكة ، وفقدت دورها كوسيط محايد محتمل في الأزمة السودانية وذلك بانحيازها للميليشيا الإرهابية وتحاملها على السودان بصورة واضحة وغير مبررة..

إن حشود السودانيين الذين تجمعوا خارج مقر انعقاد المؤتمر بالعاصمة البريطانية لندن وهم يهتفون مناهضين ومنددين بانعقاد المؤتمر ورافضين له جملة وتفصيلاََ، من المفترض أن يحمل هذا الموقف الوطني الأصيل الحكومة البريطانية على مراجعة سياستها تجاه السودان وتصحيح مسار هذه السياسة بإعادة ضبط بوصلتها تجاه الوجهة الصحيحة وما تزال الفرصة سانحة لذلك..

فالواقع الماثل في السودان هو واقع جديد كلية، أنتجته هذه الحرب التي مثلت تهديداََ جدياََ لوجود الدولة السودانية وتحدياََ وطنياََ كبيراََ لم يشهده الشعب السوداني في تاريخه من قبل جعله يتوحد خلف حكومته بدوافع وطنية بحتة مبرأة من أي انتماء سياسي أو جهوي أو آيدولوجي وتطابقت توجهاته وقناعاته وآماله

 

وأهدافه ورؤاه مع قيادته الوطنية بحيث يصعب الفصل بينهما أو عزل أحدهما عن الآخر ، وعلى بريطانيا وغيرها من الدول الأخرى أن تعي هذا الواقع الجديد وتتحرك بمقتضاه وأن تكف عن البناء على واقع افتراضي منسوج من أوهام وخيال مريض لقوى وكيانات مستجدة طارئة على مسرح السياسة الدولية.

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى